أكد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية السيد محمد بن عبد القادر، بالعاصمة النمساوية فيينا، أن “مواجهة آفة الفساد بالمغرب تتأسس على الالتزام بمقاربة شمولية تتكامل فيها مختلف الآليات الزجرية والوقائية والتربوية والتواصلية “.
وأوضح في هذا السياق، خلال كلمة له بمناسبة الدورة السابعة لمؤتمر دول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أن اعتماد المغرب للمقاربة الوقائية “ينطلق من اعتقاد المملكة الراسخ بأن لها وقع عميق وجذري ولالتزامها بتطبيق مختلف المقررات الصادرة عن مؤتمر دول الأطراف في اتفاقية الامم المتحدة سيما ما جاء به إعلان مراكش باعتباره مرجعا دوليا في مجال الوقاية”.
واعتبر السيد بن عبد القادر أن المقاربة الوقائية “ترتكز على التوعية بقيم ومبادئ النزاهة والشفافية، وعلى خطورة ظاهرة الفساد وانعكاساته على الأفراد والمجتمعات، وتعزيز مجهودات التربية والتحسيس والتواصل، وضمان انخراط المجتمع بكل فعالياته في الجهود المبذولة للوقاية من الفساد ومحاربته”.
وأشار الى أن المغرب كرس هذا التوجه من خلال مختلف الاجراءات المتعلقة بـ “التشجيع على التبليغ عن أفعال الفساد”، حيث تم إحداث رقم هاتفي أخضر، بالموازاة مع إصدار قانون متعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين عن جرائم الفساد، “وذلك في انسجام تام مع مقتضيات وأحكام اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد”.
والى جانب هذه التدابير أعد المغرب حسب الوزير، مجموعة من الاجراءات ستخرج إلى حيز الوجود بعد إتمام مسطرة المصادقة عليها، كمشروع القانون المتعلق بحق الحصول على المعلومة، الوارد في المادة العاشرة من الاتفاقية الأممية، ومراجعة المنظومة الجنائية الهادفة إلى ملاءمة أحكامها مع الاتفاقيات الدولية، وأيضا إعطاء الانطلاقة لمشروع وطني لإصلاح الادارة سيما ما يتعلق بتحسين الاستقبال وتنظيم مسطرة تلقي ومعالجة الشكايات.
وأبرز الوزير أن المغرب “جعل جهود مكافحة الفساد على رأس أولويات سياساته العمومية، وذلك تكريسا للإرادة السياسة لأعلى سلطة في البلاد ولتفاعلها الإيجابي مع المفاهيم الدولية المتعارف عليها في هذا المجال، خصوصا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ايمانا من المملكة بأن هذه الاتفاقية الأممية تشكل الإطار الأمثل للقيام بذلك”.
وأضاف أن مختلف الإصلاحات المهيكلة، التي عرفها المغرب ،”شكلت منعطفا هاما سواء فيما يتعلق بالإصلاح السياسي أوالمؤسساتي أوالاداري، من خلال المراجعة الشمولية للدستور، التي أعادت النظر في بنية النسق السياسي والمؤسساتي والإداري وبوضع آليات للتخليق والشفافية والنزاهة والمساءلة وتدبير وتنفيذ السياسات العمومية”.
وأكد السيد محمد بن عبد القادر أن هذه الاصلاحات المهيكلة، التي أقرها الدستور، ” أفضت إلى تكريس التحول الديمقراطي وتوطيد دعائم المنظومة الوطنية للنزاهة، من خلال تبني مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة ومنع تضارب المصالح وكل الممارسات المتنافية مع مبادئ التنافس الحر والشريف في العلاقات الاقتصادية، فضلا عن إجراءات قوية في مجال النزاهة ومحاربة الفساد، ومن خلال معاقبة كل أشكال الانحراف في تدبير الأموال العمومية والرشوة واستغلال النفوذ”.
كما تم توطيد دعائم المنظومة الوطنية للنزاهة حسب الوزير، من خلال ” دسترة مؤسسات مكافحة الفساد والوقاية منه كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ومجلس المنافسة، وكذا المؤسسات المستقلة الأخرى المكلفة بحماية وتنمية حقوق الإنسان والضبط والحكامة الجيدة، كمجلس حقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط”.
وعلى نفس المنوال قررت المملكة وفق السيد بن عبد القادر، “الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، لما لذلك من دور رائد في استكمال بناء دولة الحق والقانون وإقرار العدالة وهو الأمر الذي تعزز بنقل اختصاصات السلطات الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيس النيابة العامة” وكذا عبر تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، ب”تقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني”.
وأبرز أن المغرب “اعتمد في إطار الجهود المبذولة لدعم الدينامية المتميزة بالوعي المتزايد لدى المواطنين والمجتمع المدني بآفة الفساد ووعيا بأن الظرفية الراهنة تقتضي الابتكار في معالجة إشكالية الفساد، استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد بالاستناد على مقاربة تشاركية وتشاورية، ترتكز على مشاركة كافة الفاعلين المعنيين”.
كما تم في نفس الإطار وفق الوزير، وفي سياق التنزيل الفعلي لمضامين الاستراتيجية الوطنية، التوقيع على عدة اتفاقيات بين كل الفاعلين لتنفيذ البرامج المسطرة فيها، كما تم إحداث لجنة وطنية لمكافحة الفساد لتتبع تنفيذ هذه البرامج، تضم في عضويتها كل الاطراف المعنية من قطاعات وزارية وهيئات للحكامة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وخلص الوزير الى أن هذه اللجنة الوطنية وغيرها من الآليات تشكل ” لبنة أخرى تنضاف لاستكمال الهندسة المؤسساتية المتعلقة بمحاربة الفساد والوقاية منه”.
و م ع