مساحة اعلانية
اخــر الاخبــار

قراءة في القانون 13 ــ 114.. حسنات المقاول الذاتي وانحسار المبادرة الذاتية

من المعلوم أن نظام الشركات والمقاولات، له إطاره الخاص الذي ينظمه، ومجاله، الذي يُفرق فيه بين شركات الأشخاص وشركات الأموال؛ عبر مقتضيات قانونية متنوعة تختلف باختلاف التشريعات المنظمة لكل نوع من أنواع الشركات والغرض والهدف الذي من أجله تم تأسيسها، بنظام ضريبي خاص و…

غير أن نظاما فريدا، من حسنات المجال التشريعي، الذي إن كتب له المتابعة والتنزيل والتحسيس..، لعمري سيكون بلسماً للجراح التي تثيرها جحافل العاطلين أو “المُعطَّلين” عن العمل، في نفوس المغاربة، خاصة خريجي الجامعات والمعاهد العليا المغربية؛ ألا وهو نظام المقاول الذاتي، المنظم بالقانون رقم 114.13، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6342 الصادرة بتاريخ 21 جمادى الأولى 1436 ( 12 مارس 2015).

فالقانون الذي طال انتظاره بالمغرب، لا تخفى أهميته على جميع المستويات، الاجتماعية والاقتصادية، حيث بإمكانه الحد أو على الأقل تقليل آثار البطالة، ناهيك عن كون التطبيق السليم لبنوده يمكنها تحويل القطاع الغير مهيكل إلى القطاع المهيكل، وإنعاش صندوق الدولة بضرائب المقاول الذاتي، وإدماج الشباب في الدورة الاقتصادية، واعتماد هذا النظام قنطرة للمرور إلى نظام الشركات على الأقل ذات المسؤولية المحدودية بعد أن يتجاوز المقاول الذاتي رقم المعاملات المُقيد به قانونا لسنتين متتاليتين، وأخيرا وليس آخرا، إمكانية استفادة شريحة عريضة من المواطنين من الاستفادة من نظام التغطية الاجتماعية والصحية.

وقد أفردت المادة الأولى من القانون 114.13 تعريفا للمقاول الذاتي، حينما اعتبرت المقصود منه في مدلول هذا القانون، كل شخص ذاتي يزاول بصفة فردية نشاطا صناعيا أو تجاريا أو حرفيا أو يقدم خدمات، ولا يتجاوز رقم الأعمال السنوي المحصل عليه:

500.000 درهم، إذا كان النشاط الذي يمارسه يندرج ضمن الأنشطة الصناعية أو التجارية أو الحرفية؛

200.000 درهم، إذا كان نشاطه يندرج في إطار تقديم خدمات.

تحدد قائمة الأنشطة الصناعية والتجارية والحرفية وقائمة الأنشطة المعتبرة خدمات بنص تنظيمي.”

فلو فرضنا أن شابا مثلا تخرج من إحدى الجامعات أو إحدى المعاهد العليا، في تخصص معين؛ نظنه الإعلاميات كمثال، فمن يمنع هذا الشاب من اكتساب صفة المقاول الذاتي التي لن تكلفه أي شيء، سوى تسجيل اسمه بالسجل الوطني للمقاول الذاتي، ليحصل بعدها على وثيقة تثبت تسجيله، التي يحيلها على مصالح البريد بنك، التي بدورها تقوم بتسجيل كافة المعطيات المتعلقة به، وتحيل ملفه على المصالح المركزية التي تمكنه داخل آجال معينة، من بطاقة المقاول الذاتي الخاصة به.

المثير للاهتمام، أن من حسنات هذا النظام، أن الشاب الجامعي المغربي العاطل عن العمل، الذي اتخذناه كمثال، بمقدوره عبر بطاقة المقاول الذاتي، أن يعقد صفقات ويصدر فواتير معفاة من الضريبة على القيمة المضافة، ويصرح بمعاملاته لدى مصالح البريد بنك في سجلات المقاول الذاتي بصفة دورية كل شهر أو ثلاثة أشهر حسب إرادته،.

فلو أن سائلا يسأل عن علاقة المقاول الذاتي، بالضريبة، فالجواب أن الأخير يستفيد من نظام ضريبي خاص طبقا لأحكام المدونة العامة للضرائب؛ حيث يؤدي 1% إن كان النشاط الذي يمارسه المقاول الذاتي يندرج ضمن الأنشطة الصناعية أو التجارية أو الحرفية؛ أو يؤدي 2% إن كان النشاط يندرج في إطار تقديم خدمات. كما يعفيه القانون من إلزامية التقييد بالسجل التجاري.

الشاب الجامعي العاطل عن العمل في مثالنا السابق؛ قد يتساءل عن إشكالية توطين نشاطه، حيث تلزم المقتضيات المتعلقة بالشركات والمقاولات، ضرورة أن يكون لها مقر خاص بالنشاط المزاول، غير أنه ومن أجل تيسير الاستفادة من هذا النظام، حسب المادة 3 من القانون رقم 114.13، سمح للمقاول الذاتي بإمكانية توطين نشاطه بمقر سكناه؛ الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال الحجز عليه بقوة القانون، بسبب الديون المستحقة الباقية بذمته والمرتبطة بنشاطه، كما نصت على ذلك المادة 4 من نفس القانون.

كما أن من أيسر المقتضيات التي جاء بها القانون 114.13، “غير اللي مبغاش” كما يقول المثل المغربي الدارج، سهولة التسجيل، وبدون أي تكاليف تذكر، كما يمكن للشاب المسجل بسجل المقاول الذاتي، أن يحذف اسمه من السجل في أي وقت أراد، بناء على طلب منه.

ما أحوجنا إلى الإيجابية على مستوى التعامل ومقاربة الملفات من زاوية متسعة، وليست ضيقة، قوامها استشراف المستقبل من زواياه الرحبة، التي نرى من خلالها الغد مشرقا، وليس اليأس والقنوط، وكأننا بالحياة ستؤول إلى زوال، والأرض ستتوقف عن الدوران.

عودة إلى مثال الشاب المغربي الجامعي في مجال الإعلاميات، العاطل عن العمل، أليس حريا به المثابرة والبحث وتقديم خدماته مقابل فواتير طبعا، والتعاقد مع الشركات، والجمعيات والمؤسسات، وباختصار شديد مع الأشخاص الطبيعية والاعتبارية.

أليس حريا به، على الأقل إنجاز موقع خاص به، يقدم من خلاله كل الخدمات التي يمكنه إنجازها للغير وتحديد أثمنة لخدماته، عوض قضاء الوقت كله بالمقاهي والتباكي على الأطلال؛ أليس حريا بالمؤسسات المعنية تكثيف الحملات التحسيسية بالجامعات والثانويات والمدارس للاستمثار في الشباب، وصناعة جيل إيجابي ذو نخوة وشرف، بدل حمل السيوف لسرقة الهواتف النقالة، وبالتالي التماس الإقامة بالغرف الضيقة التي تشرف عليها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.

طيب محمد

 

شارك المقال شارك غرد إرسال