مساحة اعلانية

المحكمة الإدارية للرباط، أو حينما هيَّم فكيرٌ صرحَها وردهاتها ومُرتفقيها

مساحة اعلانية
مساحة اعلانية

المحكمة الادارية بالرباط، تنزوي كزاهد في بناية تجمعها بقرينتها محكمة الاستئناف الإدارية، فيما يشبه تواضع المتصوف. لقد ولجنا اليها في زحمة يوم عمل، نشق طريقنا بتؤدة كباقي المرتفقين الذين ينسابون بين المكاتب حاملين آمالهم في حضن قضاء فاصل بين الادارة والمواطن، قضاء يراقب مشروعية القرار الاداري، ويحمي ظهر المواطن من كل أشكال التعسف في ممارسة السلطة أو تجاوز القانون؛ كما يحمي وبذات الواجب الدستوري، الإدارة، من تجاوزات بعض المرتفقين؛ حيث العدل أصل القيم النبيلة، فلا فرق فيه بين هذا وذاك؛ وشخص وشخص ولو كان الدولة نفسها، إلا باحترام القانون.

دفعنا التماس غرض إداري، إلى أن نُولي وجوهَنا تلقاء صرحٍ بالرباط، مُمرد من أصوات مجلجلة صدحت عبر تاريخ تليد، أحكاما اعتبرت بحق اجتهادات قضائية ظل بعضها يُدرَّس إلى الآن؛ وأحكاما سطرت تاريخا مجيدا، فدوت حيثياتها ومنطوقها في ردهاتها وقاعاتها ومسامع كل مسؤول إداري وكل مواطن، بأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.

فحيث البناية قديمة، رفع من قدرها التواضع البادي على مدخل المحكمة ومصاعدها، وكأنها تخبيء لنا مفاجأة سارة، على مستوى الطابق الثاني الذي يأوي مكتب السيد رئيس المحكمة ونوابه، والكتابة الخاصة، إذ يشتغل الجميع كخلية نحل في التعامل مع مختلف القضايا والاجراءات المسطرية، وفي استقبال المتقاضين ومحاميهم بصدر رحب وبشاشة ظاهرة تنم عن استعداد للعطاء وحل مختلف المشكلات والاستجابة لكل الطلبات.

أبواب مفتوحة وثغور ضاحكة مستبشرة، وأسارير تبعث فيك الأمل بأن الكأس المملوء بالخير في بلادنا يطغى على الكأس الفارغ الرائج في عديد المواقع، وبأن “السر فالساكن ماشي فالمسكن”؛ وبأن للمغرب رجالا ونساء لم ولن يغيروا أو يبدلوا تبديلا، مهما كلفهم الثمن؛ فهم القوم في النائبات قليل، وهم القوم في صرح العدالة وأمامهم يُطأطئ البريءُ قبل المتهم، لهم هامته إحقاقا للحق، لتضع المرأة الإغريقية العمياء صاحبة السيف والميزان، نياشين على صدورهم.

على كرسي الرئاسة، جلس أحد فقهاء ورجال القضاء الإداري بالمملكة المغربية، بين الطول والقصر أو (مربوع القد كما يقول المغاربة)، وقد غزا بعض الشيبِ شعرَه فزاده وقارا، وقار القاضي الذي ينتمي إلى فصيلة نخبة النخب، حامي الحقوق، والذائد عن حِمى العدل والعدالة، فكذاك، عبد  العتاق فكير، باسم المحيا، لا شبع من مائدة علمه، ولا ارتواء من ماء معرفته. كلما قال قلت هل من مزيد، فكذلك أصحاب النيّة حتى في القضاء كانوا، وأبد الدهر سيظلون.

ما أن التحق الرئيس فكير بالمحكمة الابتدائية الادارية للرباط، حتى استحالت المحكمة مرفقا يعكس تيمة القضاء في خدمة المواطن، فضاء يبعث الطمأنينة والحب في نفوس المرتفقين، أغراس ولوحات فن ورسم، وبيئة مواتية للعمل عاكسة لمعنى العدل والعدالة في كل شيء، وكأنك تمر بين ردهاتها تخال نفسك في معرض يحيلك على فكر راقي ومقاربة نموذجية لكيف تكون محاكمنا، لمحاربة ما تحيلنا عليه ذاكرتنا الشعبية، وعقلنا الباطن الجماعي، حيث ارتباط كلمة محكمة، بالكوميسيرية والبوليس والاقفاص والغراق والمينوط وهلم جرا، فكذلك عصر استقلال القضاء يكون؛ وقضاته أبد الدهر سيظلون.

يشد عينيك ويعتقل مقلتيك، صرح قد استجاب لمقوله العقل السليم في الجسم السليم، فالمكان رغم ضيقه البادي، يلفت انتباه مرتاده باللوحات الزيتة التي تضفي عليه جمالية ورونقا تنشر لدى الجميع الاحساس بالاطمئنان والسكينة. كان هذا احساسنا ونحن نتنقل بين مدخل مكتب ولوحة زيتية تحيل على مدرسة فنية ونظرة فلسفية، كما لو أنها تقول عبر تداخل الألوان والأصوات أن قتامة الخصومات القضائية تحتاج الى لمسة القاضي المبدع الذي يزينها عبر اجتهاده بألوان زاهية تعيد لها توازنها ورونقها الانساني..

وراء هذه الصورة الجميلة لتمثل دور القضاء وصورته، يقف رجل يحرص على الجمع بين الأناقة في المظهر والجوهر، في اللين والمرونة في التعامل، والحزم والدقة في اتخاذ القرارات، إنه رئيس هذه المعلمة القضائية المتميز، المحكمة الإدارية بالرباط، الأستاذ عبد العتاق فكير، الذي تنم شخصيته، كما وقفنا على ذلك من خلال مقابلتنا له بمكتبه، عن عمق فكر وبعد نظر، تشي به طريقة تدبيره من مكتبه لمختلف الاشكالات والمطالبات المعروضة عليه، ومتابعته عن كتب لعمل مختلف الهيئات القضائية للمحكمة، وحرصه على جودة وانسياب الأحكام القضائية، فيما يجمع بين متطلبات السرعة في البث، والجودة في الأحكام والابداع في العمل والاجتهاد القضائيين.

شارك المقال شارك غرد إرسال
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية