في قلب العاصمة الاقتصادية للمملكة، حيث تنبض التجارة والاستثمار بالحركة المستمرة، تقف المحكمة التجارية الابتدائية بالدار البيضاء شامخة كصرح قضائي يرسم معالم العدالة التجارية المغربية؛ صرح يجمع بين عراقة القضاء وحداثة الرؤية وروح العدالة، احتضن يوم الجمعة 27 دجنبر 2024 جمعيته العامة السنوية، بحضور قضاته ونواب الملك لديه ورئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة، يحملون على عاتقهم مسؤولية ضمان عدالة ناجعة وفعالة.
بقاعة المحكمة الفسيحة، التي تتناغم فيها هندسة المكان مع رمزية العدل، افتتحت الجلسة بكلمة مؤثرة من الأستاذ رشيد الشائب، رئيس المحكمة، عبر فيها عن امتنانه العميق لكافة القضاة ونواب وكيلة الملك، وأطر وموظفي كتابة الضبط، مشيدا بما تحقق خلال السنة القضائية المنصرمة. لم تكن كلماته مجرد بروتوكول رسمي، بل شهادة حية على المجهودات الجبارة التي بذلت في سبيل تقليص المخلف، والرفع من نجاعة الأحكام، وتعزيز ثقة المتقاضين في القضاء التجاري.
وما أكد ويؤكد تعاون رئاسة المحكمة والنيابة العامة؛ وفي مداخلة مؤثرة، عبرت السيدة سعاد الكاملي، وكيلة الملك، عن اعتزازها بالروح الإيجابية التي تسود بين رئاسة المحكمة والنيابة العامة، مشيدة بالدور المحوري الذي تلعبه هذه العلاقة في تحقيق النجاعة القضائية.
فقد أكدت أن تكامل الأدوار بين الجانبين هو ما يضمن تحقيق العدالة التجارية وفق مقاربة متوازنة تراعي مصالح المستثمرين والمتقاضين على حد سواء.
أرقام تتحدث عن إنجازات غير مسبوقة؛ لم يكن هذا الاجتماع مجرد لقاء سنوي، بل كان مناسبة لاستعراض حصيلة عمل مثيرة للإعجاب. فعلى الرغم من الارتفاع القياسي في عدد القضايا المسجلة خلال سنة 2024، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المحكمة، فقد نجح القضاة في تحقيق مستوى عال من التصفية القضائية. بفضل رؤية استراتيجية واضحة وتعاون مثمر بين مختلف مكونات المحكمة، تمكنت المحكمة على إثره، من تحقيق أهدافها المسطرة، متجاوزة كل التحديات التي فرضها السياق القضائي والاقتصادي.
عنوان الجمعية العمومية كان ولا ريب: جيل جديد من القضاة في مواجهة تحديات كبرى، إذ كانت من من بين النقاط البارزة التي تم التطرق إليها خلال الجمعية العامة، مسألة تجديد تركيبة القضاة، حيث شهدت المحكمة تغييرا كبيرا بنسبة ناهزت 80%، وهو تحول غير مسبوق في السلك القضائي. هذا التغيير، رغم كونه تحديا، مثل أيضا فرصة لتعزيز الدماء الجديدة في القضاء التجاري، إذ أتيحت الفرصة لقضاة حديثي العهد بالسلك القضائي لإثبات كفاءتهم في مجال يتطلب دقة قانونية وفهما عميقا لروح المعاملات التجارية.
في هذا السياق، أشاد السيد الرئيس بروح المسؤولية التي يتحلى بها القضاة الجدد، مؤكدا أن القضاء التجاري ليس مجرد تطبيق للنصوص، بل هو تفاعل مستمر بين القانون والممارسة التجارية، مما يجعل من القاضي التجاري فقيها وخبيرا في الوقت ذاته.