بعد استعراض أبرز الإنجازات التي حققتها المحكمة التجارية الابتدائية بالدار البيضاء خلال سنة 2024، انتقل الحاضرون في الجمعية العمومية السنوية؛ قضاة ونوابا لوكيلة الملك وموظفين، إلى مناقشة المحاور التفصيلية لعرض النشاط القضائي، والتي كشفت عن مؤشرات غير مسبوقة تعكس دينامية هذا الصرح القضائي ونجاعته في تحقيق العدالة التجارية بالمملكة.
لقد كشفت حصيلة النشاط القضائي لسنة 2024، بحق؛ عن أرقام تعكس كفاءة الأداء؛ حيث أكد الأستاذ رشيد الشائب، رئيس المحكمة أن الغاية من إحداث المحاكم التجارية كانت دائما تحقيق سرعة البت في القضايا، وضمان جودة الأحكام وتنفيذها، باعتبار ذلك مؤشرا أساسيا على نجاعة القضاء، ودعامة للاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.
وبلغة الأرقام، كشف التقرير السنوي أن المحكمة سجلت خلال سنة 2024 ما مجموعه 103,290 قضية جديدة، ليصل العدد الإجمالي للقضايا الرائجة، بإضافة المخلف من السنة السابقة (6,366 قضية)، إلى 109,656 قضية.
ورغم التحديات التي فرضها ارتفاع عدد الملفات بشكل غير مسبوق، فقد نجحت المحكمة في إصدار 102,056 حكما قطعيا، وهو ما يمثل نسبة إنجاز بلغت 93% من إجمالي القضايا الرائجة، و99% من القضايا المسجلة خلال السنة.
ورغم الإضرابات التي شهدها قطاع العدالة، سواء من قبل موظفي كتابة الضبط أو المفوضين القضائيين أو المحامين، إضافة إلى إحالة عدد من الموظفين على التقاعد دون تعويضهم، فقد تمكنت المحكمة، رغم هذه الإكراهات، من تحقيق نتائج وصفت بـ”المتميزة”، مع التأكيد على أن التوقعات للسنة المقبلة تشير إلى تحقيق مردودية أعلى بفضل تكريس آليات العمل الجماعي والحرص على ترشيد إجراءات التقاضي.
أما على مستوى الأداء الفردي للقضاة، فقد أبانت الحصيلة عن مؤشرات إيجابية وتوجه نحو تعزيز النجاعة؛ حيث أوضح السيد رئيس المحكمة أن الأداء العام الإيجابي الذي حققته المحكمة كان ثمرة جهود فردية لكل القضاة الذين أبانوا عن مردودية عالية، سواء بالنسبة للقضاة القدامى أو القضاة الجدد، الذين التحقوا بالمحكمة حديثا وأثبتوا كفاءتهم في معالجة القضايا التجارية بدقة وفعالية.
كما أبرزت القراءة التحليلية للنتائج انخفاضا ملموسا في عدد القضايا التي تخضع لإجراءات التحقيق المسطرية، وهو ما يعكس نهجا جديدا يرتكز على الدراسة المعمقة للملفات قبل اتخاذ القرارات، تماشيا مع دورية السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المتعلقة بتدبير الخبرات.
وقد انعكس هذا التوجه على تقليص زمن البت في القضايا مقارنة بالسنوات الماضية، مما يعزز من دور المحكمة في تكريس مفهوم العدالة داخل آجال معقولة، وفقا لتوصيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
هذا وشهدت الجمعية العمومية، نقاشات معمقة حول التدبير المستقبلي للمحكمة، لم تقتصر من خلالها الجمعية العمومية على استعراض الحصيلة السنوية وحسب، بل شكلت أيضا فرصة لتقييم أداء المحكمة وفق المقاربات الحديثة التي حددها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث تم التذكير بالنقاط القانونية التي شكلت محور النقاشات طوال السنة، وطرق تدبير الجلسات والملفات بما يضمن تطبيقا سليما للقانون واستجابة فعالة لانتظارات المتقاضين.
كما تم التطرق إلى مقترحات تخص البرنامج الثقافي والتواصلي للمحكمة خلال سنة 2025، بما يعزز من مكانتها كمؤسسة قضائية منفتحة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى حصر مواضيع التكوين المستمر للقضاة وأطر المحكمة، وتحديد حاجيات المحكمة من الموارد البشرية والمادية لضمان استمرارية الأداء الفعال.
وجرى بالمناسبة، عرض برنامج تنظيم العمل وتوزيع الجلسات الذي تم إعداده بتاريخ 6 دجنبر 2024، حيث شدد السيد رئيس المحكمة على أن المرحلة المقبلة ستكون عنوانا لمزيد من التطوير والرفع من النجاعة، لضمان استمرار المحكمة التجارية بالدار البيضاء كمرجع في القضاء التجاري المغربي، ورافد أساسي لاستقرار المعاملات التجارية في المملكة.