مساحة اعلانية

الجزائر في قلب العاصفة الدبلوماسية: هل دخلت عزلة إقليمية جديدة؟

مساحة اعلانية
مساحة اعلانية

في تطور جديد يعمق التوترات في منطقة الساحل، أعلنت كل من مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو استدعاء سفرائها من الجزائر، احتجاجا على ما اعتبروه “عملا عدائيا” من طرفها، تمثل في إسقاط طائرة بدون طيار تابعة للجيش المالي داخل أراضيه.

هذا القرار، الذي اتخذته هيئة رؤساء تجمع دول الساحل، يمثل خطوة غير مسبوقة في علاقات الجزائر مع جيرانها الجنوبيين، ويعكس اتساع رقعة العزلة الإقليمية التي بدأت تطوق السياسة الخارجية الجزائرية.

الحادثة التي فجرت الأزمة وقعت نهاية مارس الماضي، حين أسقطت طائرة مسيرة تابعة للقوات المالية في منطقة تبعد أقل من 10 كيلومترات عن الحدود الجزائرية.

تحقيق السلطات المالية، المدعوم بتحليل موقع الحطام، خلص إلى أن السقوط ناتج عن “عمل عدائي متعمد” مصدره النظام الجزائري، مرجحين استخدام صواريخ أرض-جو أو جو-جو. ولم تصدر الجزائر، إلى حدود اللحظة، أي رد رسمي على هذه الاتهامات الخطيرة، ما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي.

العلاقات الجزائرية-المالية لم تكن على ما يرام في الأشهر الماضية، فبعد انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل الخمس ومن الإكواس، واصطفافها مع النيجر وبوركينا فاسو في تحالف جديد تهيمن عليه أنظمة عسكرية مناوئة للنفوذ الفرنسي، بدأت الهوة تتسع بينها وبين الجزائر التي كانت تسعى للعب دور الوسيط الإقليمي.

غير أن تعثر المبادرات الجزائرية في الملف المالي، ورفض باماكو لما تعتبره “وصاية سياسية”، عجلا بسقوط الجسور الدبلوماسية.

بيان الدول الثلاث، والذي صدر بلغة موحدة ومباشرة، يشير إلى تنسيق سياسي عال بين هذه العواصم التي باتت ترى في الجزائر طرفا غير محايد، إن لم نقل خصما.

ويبدو أن ما يجمع مالي والنيجر وبوركينا فاسو ليس فقط التوجه العسكري لأنظمتها، بل أيضا موقفها الموحد من ملفات الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، والنفوذ الجزائري-الفرنسي المشترك الذي تعتبره هذه العواصم مهددا لسيادتها.

استدعاء السفراء لا يعد مجرد إجراء دبلوماسي، بل هو رسالة سياسية قوية مفادها أن الجزائر لم تعد تحظى بثقة جيرانها في الجنوب، بل ربما أصبحت مرفوضة كوسيط أو كشريك.

هذا التراجع في الوزن الدبلوماسي يأتي في وقت حساس تتصاعد فيه التوترات في المنطقة، وتتنافس فيه قوى إقليمية ودولية على إعادة رسم توازنات النفوذ، وسط تصاعد دور روسيا وتركيا وأطراف غير تقليدية، ناهيك عن التقارب الجزائري الفرنسي الأخير.

المثير في هذه الأزمة هو غياب أي رد فعل رسمي من الجزائر، رغم خطورة الاتهامات، فهل هو صمت استراتيجي؟ أم ارتباك في كيفية التعاطي مع أزمة ذات طابع عسكري-سيادي؟ الأكيد أن هذا الصمت يؤخذ ضدها، ويضعف موقعها الإقليمي ويعجل بعزلتها على جميع المستويات.

الجزائر اليوم أمام مفترق طرق دبلوماسي، إما أن تسعى لاحتواء الأزمة وتقديم توضيحات تقنع جيرانها وتعيد الثقة المفقودة، أو تختار المضي في نهج التجاهل والتصعيد غير المباشر، ما قد يفضي إلى عزلة أعمق وانكماش استراتيجي في منطقة حيوية لأمنها القومي.

وبين هذا وذاك، يتعين على صانع القرار الجزائري أن يدرك أن لغة القوة وحدها لم تعد مجدية في محيط إقليمي يتحول بسرعة، ويفرض تحالفات جديدة لا مكان فيها للغموض أو التردد.

 

شارك المقال شارك غرد إرسال
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية