مساحة اعلانية

الجزائر في مرآة العزلة؛ دبلوماسية متشنجة وأفق إقليمي مسدود

مساحة اعلانية
مساحة اعلانية

رغم محاولاتها المتكررة لتقديم نفسها كقوة إقليمية مؤثرة، تجد الجزائر نفسها اليوم في موقف لا تحسد عليه، وهي تغرق أكثر فأكثر في عزلة متفاقمة على المستويات الإقليمية، القارية والدولية؛ الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع فرنسا ليست سوى تجل جديد لما يمكن اعتباره تخبطا في السياسة الخارجية الجزائرية، ورفضا ممنهجا للاندماج في منطق المصالح المتبادلة واحترام القوانين الدولية.

ففي خطوة مفاجئة، أقدمت الجزائر على طرد 12 موظفا من السفارة الفرنسية، في رد فعل انفعالي على قرار القضاء الفرنسي توقيف ثلاثة جزائريين بتهم خطيرة تتعلق بالاختطاف والاحتجاز التعسفي في إطار قضية المؤثر والمعارض الشهير أمير بوخرص، المعروف بـ”أمير دي زد”.

خطوة كشفت هشاشة أعصاب النظام الجزائري، وعدم قدرته على التفاعل مع محيطه الدولي بعيدا عن منطق التهديد والعداء الدائم.

فالجزائر تعاقب فرنسا على تطبيق القانون، ما يثير الدهشة هو أن الجزائر لا تعترض على الاتهامات فقط، بل ترفض أساسا خضوع موظفيها القنصليين للقانون الفرنسي، حتى عندما يشتبه في ضلوعهم في جرائم خطف فوق التراب الفرنسي. فأي منطق هذا؟ هل تتوقع الجزائر من فرنسا أن تغض الطرف عن جرائم تمس سيادتها فقط لأن الفاعلين جزائريون؟ هذا موقف لا يبنى عليه تعاون دولي، بل ممارسات دولة تعيش على وقع عقلية الحرب الباردة.

ولم تكن فرنسا البلد الوحيد الذي اصطدمت به الدبلوماسية الجزائرية، فالعلاقات مع المغرب في قطيعة تامة منذ 2021، ومع إسبانيا متدهورة بسبب موقفها من الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. بل حتى الدول الإفريقية باتت تدير ظهرها للجزائر وتلتفت أكثر نحو المغرب بفضل دينامية الرباط الدبلوماسية واستراتيجيتها المتزنة، كما حدث خلال قمة أديس أبابا الأخيرة، التي بدت فيها الجزائر منعزلة سياسيا ومعزولة شعبيا، ناهيك عن أزماتها المتفاقمة مع دول الساحل (مالي بوركينا فاسو والنيجر).

إن خطف معارض في الأراضي الفرنسية، حتى ولو تم عبر “موظفين قنصليين”، يضع الجزائر أمام مرآة مقلقة: دولة تطارد معارضيها في الخارج بأساليب المافيات، ثم تغضب عندما يفتح تحقيق قضائي.

النظام الجزائري، الذي حاول منذ سنوات ترسيخ صورة دولة المؤسسات والقانون، كشف وجهه الحقيقي أمام العالم.

والأسوأ من ذلك، أن الجزائر سبق وأن طالبت بتسليم “أمير دي زد”، رغم حصوله على اللجوء السياسي من فرنسا، بل وصدور 9 مذكرات توقيف دولية ضده. فهل كانت خطته البديلة هي الخطف بعد فشل القضاء؟ هذا ما توحي به الوقائع، للأسف.

من دعمها الأعمى لـ +لبوليساريو+ في ملف خاسر دبلوماسيا وأمميا وتاريخيا وجغرافيا…، إلى محاولات فرض الوصاية على جيرانها عبر التهديدات والضغوط، تفشل الجزائر في قراءة التحولات العميقة التي يشهدها العالم.

لم يعد النفوذ يبنى على التصلب الإيديولوجي ولا على “شرعية ثورية” واهية، بل على الشراكات الذكية، والاقتصاد المنفتح، واحترام قواعد التعاون الدولي.

فرنسا، على لسان وزير خارجيتها، هددت بالرد الفوري إذا لم تتراجع الجزائر عن قرارات الطرد، التوتر مرشح للتصعيد، ومعه، تستمر الجزائر في حرق جسور التواصل مع أوروبا، في وقت تحتاج فيه إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى.

إن المتتبع للعلاقات الجزائرية الخارجية لا يمكنه إلا أن يلاحظ هذا التوجه العدائي المتصاعد: نزعة انغلاقية تفتقر لأي رؤية استراتيجية، وتدفع الجزائر تدريجيا إلى عزلة دولية خانقة.

فبدل أن تجدد خطابها الدبلوماسي وتنفتح على التحولات الجيوسياسية، تصر السلطة في الجزائر على اعتماد منطق “المؤامرة”، والتهديد، والتدخل في شؤون الغير، وتبرير الإخفاقات الداخلية بأعداء خارجيين.

لكن من يعزل نفسه… لا يلام إن تُرك وحيدا.

شارك المقال شارك غرد إرسال
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية