احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة، التابعة لجامعة القاضي عياض، في إطار فعاليات النسخة التاسعة من الأيام العلمية والثقافية والرياضية لتفتق المهارات، ندوة علمية نظمها منتدى التحليل الاستراتيجي لشؤون الأطلسي، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والأساتذة الجامعيين.
سلطت الندوة الضوء على الأبعاد الجيو-استراتيجية للمبادرة الأطلسية الإفريقية، مستعرضة الدلالات السياسية والاقتصادية والروحية لهذه المبادرة، التي ترتكز في مرجعيتها على الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، والذي أعلن فيه جلالة الملك محمد السادس عن مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، في خطوة تعكس رؤية استراتيجية شمولية لتكامل إفريقيا غربًا وجنوبًا.
وفي سياق مقاربة البعد الروحي والديني للمبادرة، قدم الدكتور سعيد خمري، أستاذ العلوم السياسية ومدير مختبر القانون العام وحقوق الإنسان بكلية المحمدية، مداخلة وصفت بالغنية، تناول فيها دور الدبلوماسية الدينية للمغرب في تعزيز روابطه بالقارة الإفريقية.
وأكد خمري أن هذه الدبلوماسية لا تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل تتعداها إلى بعد روحي وثقافي يعزز من مكانة المغرب في محيطه الإفريقي.
وأشار المتحدث إلى أن المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، الذي يجمع بين السلطتين السياسية والدينية بصفته أمير المؤمنين، اعتمد في تحركاته الإفريقية على نشر نموذج الإسلام السني المعتدل، ما جعله فاعلا محوريا في محاربة التطرف وترسيخ قيم التعايش الديني.
واستعرض خمري مجموعة من الآليات التي ترتكز عليها هذه الدبلوماسية الروحية، منها بناء المساجد والمعاهد الدينية ودور تحفيظ القرآن، وتكوين الأئمة الأفارقة في المغرب، وتعليم الخط المغربي، فضلا عن توزيع المصاحف، وتنظيم الدروس الحسنية الرمضانية التي تشكل فضاءً روحيا للقاء علماء القارة بمؤسسة إمارة المؤمنين.
ولم يغفل الأكاديمي المغربي الجانب التاريخي للعلاقات الدينية بين المغرب وإفريقيا، مبرزا أن هذه الروابط ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى عهود الدولة المرابطية والسعدية، حين كانت العلاقات قائمة مع ممالك إفريقية قديمة.
وقد تعززت هذه الروابط لاحقا عبر الطرق الصوفية، خاصة الطريقة التيجانية التي تدعو إلى السلم والتسامح، وكانت وما تزال جسرا روحيا وثقافيا بين المغرب وعدد من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وخلص الدكتور سعيد خمري إلى أن هذا الامتداد التاريخي والروحي العميق يعد رافعة قوية تعزز من موقع المغرب في معركة محاربة التطرف، وتسهم في دعم استقراره الأمني والاستراتيجي في القارة الإفريقية.