ألقت السيدة نادية بنحيدة أمينة المال؛ وعضو المكتب التنفيذي للمرصد المغربي للسجون؛ اليوم السبت 24 ماي الجاري بالرباط، كلمة باسم المرصد، خلال ورشة تفاعلية بعنوان: ” القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة التنفيذ والرهانات”؛ هذا نصها:
“السيدات والسادة الحضور الكرام
ممثلين عن المؤسسات الرسمية، الهيئات القضائية، المحامون، المجتمع المدني
الصحافة السمعية البصرية والإلكترونية، والمهتمين بمجال العدالة الجنائية.
الحضور الكريم،وووولو
يشرفنا اليوم أن نرحب بكم جميعاً في هذه الندوة الوطنية التي ينظمها المرصد المغربي للسجون بشراكة مع جمعية محامون” بلا حدود”، تحت عنوان “القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة التنفيذ والرهانات”.
يطيب لي، باسم المرصد المغربي للسجون، أن أرحب بكم في هذا اللقاء الوطني الذي نخصصه لموضوع راهني بالغ الأهمية، يتمثل في العقوبات البديلة، في ضوء صدور القانون رقم 43.22 المتعلق بها، وما يفتحه من آفاق جديدة أمام العدالة الجنائية المغربية.
إن تنظيم هذه الندوة يأتي في سياق يعرف تحولات عميقة وتحديات معقدة، تعد إشكالية العقوبة والاعتقال من القضايا الملحة التي تؤثر على المجتمع في مختلف أبعاده الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية ويتطلب التصدي لها تدخلا شاملا من جميع الفاعلين الرسميين والمدنيين من خلال مقاربة تجمع بين النظرية الحقوقية والتجربة الميدانية، مع مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي وبنياته المختلفة.
ويطرح الاكتظاظ داخل السجون الناتج عن الأحكام القاسية والمبالغة في الاعتقال الاحتياطي، تحديًا بنيويًا يستدعي مقاربة جديدة تتجاوز التحليلات السطحية نحو فهم عميق وشامل للظاهرة في أبعادها القانونية والثقافية والمجتمعية. كما يُثار تساؤل مشروع حول مدى فعالية العقوبة السجنية في تحقيق أهدافها الوقائية والتقويمية، ومدى قدرتها على الحد من تكرار الجريمة والمساعدة على إعادة الإدماج المجتمعي للسجناء.
وقد أدت بعض الدراسات إلى اقتراح بدائل للعقوبات السجنية، تهدف إلى أنسنة الفضاء السجني وجعله مكانا للإصلاح والإدماج، انسجاما مع المعايير الدولية كقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء.
في هذا السياق، يطرح المرصد المغربي للسجون مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول العقوبات البديلة : ما طبيعتها القانونية؟ كيف سيتم تطبيقها؟ ما تكاليفها ومجالات نجاحها وما التحديات التي تعترض تفعيلها؟
ويكتسي هذا النقاش أهمية خاصة مع إطلاق مشروع قانون العقوبات البديلة (رقم 43.22) الذي نشر بالجريدة الرسمية في غشت 2024 ، في ظل ظروف دقيقة يعيشها القطاع السجني، حيث بلغ عدد السجناء حوالي 105,094، مما يجعل من تفعيل العقوبات البديلة خطوة حاسمة لتقليص الآثار السلبية للعقوبات التقليدية، شرط أن تواكبها آليات فعالة للتنفيذ والتقييم.
كما أن هذا السياق يتسم بقلق مجتمعي متزايد من تصاعد الجريمة، وبخطاب مجتمعي يطالب أحيانًا بعقوبات أشد، بما فيها عقوبة الإعدام إلى جانب ميل متزايد لدى السلطات القضائية إلى تفعيل تدابير سالبة للحرية كالحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، في غياب رؤية واضحة حول مآلات العقوبة السجنية داخل منظومة العدالة الجنائية الجديدة.
حضرات السيدات والسادة،
انطلاقا من مسؤوليته المجتمعية والحقوقية والأخلاقية، يدرك المرصد المغربي للسجون أهمية مواكبة التحولات التي يفرضها القانون الجديد المتعلق بالعقوبات البديلة. ويستدعي هذا الوضع رفع درجة الوعي بسياق تنزيل هذه العقوبات، وهو ما يفرض على المرصد إعادة التفكير في مهامه وأدواره المستقبلية.
يأتي هذا التحول في سياق معقد يتسم بعدة تحديات:
. تزايد القلق المجتمعي إزاء تصاعد معدلات الجريمة، مما يعزز لدى المواطن قناعة بأن العقوبة الصارمة تمثل الحل الأمثل للردع.
. استمرار مطالب بعض فئات المجتمع بتطبيق العقوبات الأشد، بما في ذلك عقوبة الإعدام.
. الميل المتزايد لدى السلطات وخاصة النيابة العامة وقضاة التحقيق، إلى تفعيل تدابير سالبة للحرية، مثل الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.
. الغموض الذي يكتنف مستقبل المنظومة الجنائية المزمع عرضها على البرلمان وغياب وضوح بشأن موقع العقوبة السجنية ضمنها.
• التساؤلات حول فعالية العقوبات البديلة في الحد من ظاهرة العود لدى المستفيدين منها.
أمام هذه التحديات يرى المرصد ضرورة تطوير بنيته التنظيمية وتعزيز قدراته الداخلية ليلعب دوراً محوريًا في إنجاح تجربة العقوبات البديلة.
وفي هذا الإطار، يعتبر المرصد نفسه مؤهلاً للقيام ببرامج تكوينية لفائدة أعضائه وإدارته لفهم مستجدات القانون الجديد كما سيعمل على إعداد مخطط استراتيجي يحدد أدواره في تفعيل وتنزيل مضامين هذا القانون بما يشمل صياغة مقترحات تعاون مع المندوبية العامة لإدارة السجون بصفتها الجهة المكلفة بتطبيق ومراقبة تنفيذ العقوبات.
إضافة إلى ذلك، يتطلع المرصد إلى لعب دور فعال في تأطير وتتبع المستفيدين من العقوبات البديلة، لتفادي سقوطهم في مخالفات قد تعيدهم إلى دائرة السجن. ولتحقيق ذلك، يعتز المرصد خلق شبكات شراكة مع جمعيات المجتمع المدني لتنسيق الجهود ووضع برامج مشتركة لدعم إعادة الإدماج وتعزيز فرص النجاح خارج أسوار السجن.
حضرات السيدات والسادة،
منذ سنة 2007، والمرصد المغربي للسجون يضع العقوبات البديلة ضمن أولوياته، وقد راكم تجارب ودراسات وتكوينات في هذا المجال، ويأتي هذا اللقاء تتويجا لهذا المسار، ومناسبة لإطلاق مرحلة جديدة من العمل المشترك، المبني على الإيمان بقدرة الإصلاح، وإرادة التغيير، وأهمية الكرامة الإنسانية في كل سياسات العقاب. لقد كانت سنة 2007 محطة بارزة في هذا المسار، حيث نظمنا ندوة دولية رائدة خصصت بالكامل لموضوع العقوبات البديلة، والتي شكلت آنذاك سابقة وطنية وإشارة قوية إلى ضرورة فتح نقاش عمومي حول واقع العقوبة وفلسفتها.
كما سعدنا بالتعاون المثمر الذي جمعنا على مدى ثلاث سنوات متواصلة مع المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي (PRI) ، وهي شراكة أثمرت عن سلسلة من الأنشطة واللقاءات التحسيسية. والتكوينية لفائدة عدد من الفاعلين الأساسيين في هذا المجال، على رأسهم: السادة القضاة والمحامون عدد من أطر المندوبية العامة لإدارة السجون. فعاليات من المجتمع المدني، وكذا نزلاء المؤسسات السجنية أنفسهم، وقد تُوج هذا العمل بإصدار دراسة قانونية تحليلية حول موضوع العقوبات البديلة.
السيدات والسادة،
نلتقي اليوم، وكلنا إيمان بأن العقوبات البديلة ليست مجرد إجراءات تقنية تُخفف عبء الاكتظاظ السجني، بل هي خيار مجتمعي وفلسفة عدالة تتطلب إرادة سياسية، تعبئة مجتمعية، وتنسيقاً مؤسساتياً محكماً، بل إنها تجسيد لفلسفة إصلاحية حديثة، تسعى إلى بناء مجتمع آمن وإنساني، يعاقب بالجودة لا بالكم، ويؤمن بقدرة الإنسان على التغيير نحو الإصلاح بدل الانتقام، وإعادة الإدماج بدل الإقصاء.
وفي هذا الإطار نتطرق اليوم للمواضيع التالية:
“البعد التشاركي وأثره في تنزيل مقتضيات القانون 22-143 المتعلق بالعقوبات البديلة”؛ “دور المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في تنزيل القانون 22-143 المتعلق بالعقوبات البديلة”؛ “دور النيابة العامة في تنزيل القانون رقم 222-143 المتعلق بالعقوبات البديلة”؛ “مكانة الدفاع في تفعيل مقتضيات قانون العقوبات البديلة”.
إن العمل لفائدة المنفعة العامة المراقبة الإلكترونية، والبرامج التأهيلية، هي أدوات فعالة إذا ما توفرت لها الضمانات القانونية، والآليات المؤسسية، والمواكبة المجتمعية الكفيلة لإنجاحها.
ومن هنا، يدعو المرصد إلى التفكير الجماعي العميق حول المحاور التالية:
1. الطبيعة القانونية للعقوبات البديلة ومكانتها داخل منظومة العدالة؛
2 شروط وإكراهات تنزيلها، ومدى جاهزية المؤسسات المكلفة بتطبيقها؛
3 أدوار مختلف الفاعلين القضاة المندوبية المجتمع المدني، والهيئات الحقوقية؛
4. سبل التقييم والتقويم المستمرين لضمان النجاعة والاستمرارية.
مرة أخرى، نرحب بكم ترحيباً حاراً، ونتمنى لأشغال هذه الندوة كل النجاح، على أمل أن تشكل إضافة نوعية لمسارنا الجماعي نحو عدالة أكثر إنصافاً، وكرامة، وإنسانية.
فلنجعل من هذا اللقاء صوتا جماعيًا موحدًا، يقول:
نعم لعقوبات مندمجة عادلة، إنسانية نعم لعدالة تصلح ولا تقصي.
نعم لسياسات تعيد بناء الإنسان، لا تدمره؛ شكرًا لكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء، وشكرًا لكل الحاضرين على التزامهم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”