افتتح متحف بنك المغرب بالرباط، بشراكة مع سفارة المكسيك بالمغرب، معرضا فنيا غير مسبوق تحت عنوان “Dialogue – حوار – Dialogo”، أمس الخميس، والذي سيمتد من 12 يونيو إلى 30 شتنبر 2025؛ حدث فني استثنائي يجمع بين إبداعين ينتميان إلى فضاءين جغرافيين وثقافيين متباعدين، لكنهما يلتقيان في عمق التجربة الإنسانية: الفنان المغربي نور الدين أمير، والفنان المكسيكي ميغيل ميلّو.
بين الأسود والألوان… جسد واحد يتكلم لغتين، هكذا يتمحور المعرض حول موضوع الجسد في علاقته بالمادة والذاكرة والطبيعة، من خلال رؤيتين فنيتين تبدوان متباعدتين ظاهريا، لكنهما تتكاملان على نحو مدهش.
ففي الوقت الذي يحتفي فيه الفنان المكسيكي بالألوان وقوامها، ينحت الفنان المغربي بالألوان الغائبة أو “الأسود الغني”، كما يسميه، ليكشف عن أطياف خفية تتجاوز ما تراه العين.
إن حوار الثقافات بين المغرب والمكسيك ليعتبر بحق نموذجا للتقارب الجنوبي، ذلك أن المعرض لا يكتفي بعرض أعمال فنية، بل يقترح حوارا إنسانيا عابرا للقارات، يعكس كيف يمكن للفن أن يشكل جسرا للتفاهم بين الشعوب.
وفي تصريح حصري لـجريدة “البيضاوي”، قال السيد رشدي البرنوسي، مدير متاحف بنك المغرب: “هذا المعرض سابقة فنية مميزة، فهو يجمع فنانين من بلدين بعيدين جغرافيا، لكنهما يتشابهان كثيرا في التعبير الفني. هناك تقاطع في الذوق، في اختيار الألوان، وفي الرؤية الجمالية للإنسان. إنها دعوة مفتوحة للجمهور لاكتشاف حضارتين متلاقيتين داخل فضاء واحد.”
من جهته، صرح الفنان نور الدين أمير في تصريح حصري لجريدة البيضاوي: “ما يجمعني بميغيل ميلّو هو حبنا للمادة، رغم اختلافنا في الأسلوب. هو يُبدع بالألوان، وأنا أخلق الألوان من داخل الأسود. البعض يرى الأسود لونا واحدا، أما أنا فأراه ثلاثمائة لون مختلف. هذا اللقاء الفني كشف لي أن بين حضارتينا تقاطعات كثيرة، رغم المسافات.”
أما الفنان ميغيل ميلّو، فقد عبّر في تصريح مماثل عن إعجابه العميق بتجربته في المغرب قائلاً: “لقد كانت مفاجأة عظيمة أن أكون في الرباط، وأن أشتغل إلى جانب أمير. وجدنا حوارا بصريا ووجدانيا يتحدث عن الطبيعة والوحدة والأخوة. نحن نأتي من نفس الجوهر ونعيش من نفس الطين. الثقافة المغربية والمكسيكية تتقاطعان في العمق، في الألوان، وفي روح الطبيعة.”
المعرض يتضمن أيضا بعدا موسيقيا، حيث ترافق الأعمال الفنية مقاطع موسيقية للفنانة الإيرانية المقيمة بمراكش، ريم سالترافرنا، التي اشتغلت سابقا مع أمير في نيويورك، مما يضفي على التجربة حسا سمعيا يكمل الرؤية البصرية في تناغم شامل بين الفنون.
هذا ويمكن اعتبار المعرض كجسر جنوب-جنوب، ودعوة صريحة لتوسيع الحوار نحو إفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ إذ لا شك أن مبادرة “حوار” تتجاوز بعدها الفني لتعبر عن رؤية ثقافية جديدة تسعى إلى إعادة رسم خريطة التلاقي الحضاري بين شعوب الجنوب؛ فاختيار المغرب والمكسيك ليس صدفة، بل رسالة رمزية تبرز إمكانيات التعاون بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية، بعيدا عن الهيمنة المركزية التقليدية.
وفي ظل الأزمات الجيوسياسية والتحولات العالمية، يأتي هذا الحدث ليفتح نافذة للأمل وفضاء للحوار، يؤكد أن الفن ليس فقط وسيلة للتعبير الجمالي، بل لغة قادرة على بناء الجسور بين الشعوب، وتحرير المخيلة من قيود الحدود السياسية والجغرافية.