في ما يلي مساهمة الأستاذة نادية بنحيدة بمناسبة الورشة التفاعلية حول القانون المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية بالمغرب المنظمة، أول أمس الجمعة بالرباط، من قبل المرصد المغربي للسجون.
“القانون رقم 10.23 (المعروف سابقًا بالقانون 23.10) المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية بالمغرب، الصادر في 24 يوليوز 2024:
السياق
- ينص القانون رقم 10.23 على إعادة صياغة شاملة للقانون رقم 23.98، بهدف ملاءمة النظام السجني المغربي مع مقتضيات دستور 2011 (وخاصة الفصل 23 منه)، ومع المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، لاسيما قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة بـ”قواعد نيلسون مانديلا”.
• يتكوّن هذا النص القانوني من 222 مادة موزعة على سبعة أبواب، وقد دخل حيز التنفيذ فور نشره في الجريدة الرسمية، باستثناء المادة 177 المتعلقة بالسوار الإلكتروني، التي يبقى تنفيذها مشروطًا بصدور نصوص تنظيمية خاصة.
يمثّل القانون رقم 10.23 محطة مفصلية في مسار تحديث المنظومة السجنية المغربية، من خلال اعتماده مقاربة قائمة على حقوق الإنسان، وإنسانية الاعتقال، وتشجيع إعادة الإدماج.
غير أن تطبيق أحكام هذا القانون بشكل صارم يتطلب توضيحات قانونية إضافية، تفاديًا لأي تأويلات متباينة، وهو ما أشار إليه كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدد من الفاعلين في الحقل القانوني.
I – معالجة أبرز الإشكاليات المطروحة في مذكرة التأطير:
- هل القانون 10.23 قادر على دعم وتأهيل المؤسسات السجنية من أجل إنسانية الاعتقال؟
يكرّس القانون إطارًا قانونيًا معززًا لحماية حقوق السجناء، يشمل:
- إعلامًا واضحًا بالحقوق،
- الفصل بين الفئات (القاصرون، النساء، المرضى…)،
- ضمان شروط النظافة والرعاية الصحية،
- تنظيم الاتصال بالعالم الخارجي،
- تقنين العقوبات التأديبية،
- وبرامج لإعادة الإدماج.
ويُقنن بذلك الحد الأدنى من الشروط الإنسانية المطابقة للمعايير الدولية.
ومع ذلك، لاحظ المجلس الوطني لحقوق الإنسان استخدام القانون لمصطلحات فضفاضة من قبيل: “في حدود الإمكانات“ و “الحفاظ على النظام والأمن“، فضلًا عن الإحالة المتكررة على نصوص تنظيمية مستقبلية، مما قد يؤثر على وضوح التطبيق القانوني.
- التفاعل بين القانون 10.23 والقانون 43.22 (العقوبات البديلة)
توجد تكاملية بنيوية بين النصين:
- فالقانون 10.23 يعمل على تحديث الإطار المؤسساتي للسجون،
- في حين أن القانون 43.22، الذي دخل حيز التنفيذ في غشت 2024، يقدم بدائل للعقوبات السالبة للحرية مثل:
- المراقبة الإلكترونية،
- العمل لفائدة المصلحة العامة،
- الأمر بالخضوع للعلاج.
وتُساهم هذه التداخلات في تخفيف الضغط داخل المؤسسات السجنية، وتفتح آفاقًا لـ”عدالة أكثر إنسانية” من خلال خيارات خارج أسوار السجن، ما يُعزّز جودة التكفل بالسجناء.
- المكتسبات والفوائد التي يحققها القانون 10.23 لفائدة السجناء
- توضيح الحقوق: مثل الحق في المساعدة القانونية، العلاج، المراسلة، الزيارات، والحق في الطعن؛
• تصنيف مناسب: عبر الفصل بين الفئات حسب السن، الجنس، الحالة الصحية، والوضعية القانونية؛
• تحسين الإطار المادي: من حيث شروط الإيواء، النظافة، الفضاءات الإنسانية؛
• تشجيع الإدماج: من خلال التكوين، الأنشطة، الاستفادة من تراخيص الخروج، وآليات التحفيز.
تسهم هذه المكتسبات في تعزيز ضمانات الكرامة الإنسانية، وتهدف إلى الحد من حالات العود إلى الجريمة.
- المراقبة القضائية والإدارية والمؤسساتية على تنفيذ العقوبات
ينص القانون على آليات متعددة تشمل:
• مساطر للطعن الداخلي: ضد القرارات التأديبية والإدارية؛
• رقابة خارجية: مع تكريس دور أكبر لـالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإتاحة المجال أمام اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب للقيام بزيارات ميدانية وطلب الاطلاع على المعطيات والتسجيلات، وغيرها من الوسائل.
ويبقى من الضروري تفعيل هذه الآليات ميدانيًا، من خلال وضع آجال واضحة، وضمان أن تكون للهيئات الرقابية سلطة فعلية قابلة للتنفيذ.
- دور والتزامات منظمات المجتمع المدني
بإمكان الجمعيات والمنظمات غير الحكومية أن تضطلع بعدة مهام على مستويات مختلفة:
• الرصد القانوني: تتبع إصدار وتطبيق النصوص التنظيمية المرتبطة بالقانون؛
• مواكبة السجناء: تقديم المساعدة القانونية، التكوين، وتوفير المعلومات؛
• الضغط والترافع: المشاركة في المشاورات العمومية، تقديم إنذارات مؤسساتية، والتفاعل مع الجهات الحكومية (كما هو الشأن في مساهمات المجلس الوطني لحقوق الإنسان)؛
• تعزيز الشفافية: من خلال إصدار تقارير، وعقد شراكات مع هيئات مستقلة.
- الفرص التي تتيحها أحكام القانون 10.23
- وضع أسس نظام عقابي تقدمي، قائم على مبادئ الإنسانية، وتحمل المسؤولية، وإعادة الإدماج؛
• إمكانية التقليص التدريجي من الاكتظاظ بفضل تعميم بدائل السجن (بموجب القانون 43.22)؛
• الدفع في اتجاه احترافية الأطر السجنية (من خلال المعايير، التكوين، والتقييم)؛
• تعزيز الحوار بين الدولة والمجتمع المدني، وتوجيه السياسات نحو العدالة التصالحية والمواءمة مع حقوق الإنسان.
خلاصة
يمثل القانون رقم 10.23 محورًا تشريعيًا أساسيًا في اتجاه إرساء سياسة سجنية تحترم حقوق وكرامة السجناء، تنسجم مع المعايير الدولية. غير أن نجاعة هذا التحول تبقى مشروطة بـ:
• تفعيل دقيق لمقتضيات القانون،
• الإسراع في إصدار النصوص التنظيمية المرافقة،
• توضيح المصطلحات الغامضة،
• وتعزيز الرقابة القضائية والمجتمعية.
فنهج شمولي ومتكامل يضم المنظومة الجنائية والمدنية والعقوبات البديلة، هو السبيل إلى ترجمة هذه الإصلاحات على أرض الواقع بشكل فعلي ومستدام.
نادية بنحيدة
المرصد المغربي للسجون