تحاول رواية “سينترا” للكاتب والمفكر حسن أوريد، التي تم تقديمها مساء الأربعاء بالدار البيضاء، أن تغوص في ثنايا الذاكرة الجماعية لمغرب متعدد ، بروافده المتنوعة ومكونات هويته الغنية.
وتعيد رواية “سينترا” التي تم تقديمها ، في متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي بالدار البيضاء، قراءة مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب (ما بين 1946 و1948 )، من خلال استحضار التعايش الذي طبع حياة المغاربة المسلمين واليهود في تلك الفترة.
فبحرص وأناة ينحت حسن أوريد شخوصه من التاريخ ويمنحها بعدا فلسفيا وسياسيا ، من خلال استحضار فضاء “سينترا” الذي كان يشكل ملتقى للنقاش وطرح قضايا تهم مستقبل الوطن من قبيل العدالة والذات والآخر والتحرر والتعايش.
وتدعو الرواية التي عرفت كيف تهرب من إطار البحث الأكاديمي البحث إلى آفاق الإبداع الرحب، سواء من خلال إهدائها واستهلالها أو بشخوصها وفضاءاتها وبنائها وتعدد أصواتها ولغاتها إلى التفكير، إلى طرح الأسئلة وعدم الاستكانة إلى اليقينيات.
وتتقاطع الشخصية المحورية المتخيلة “عمر بنمنصور” مع شخصيات واقعية من قبيل عبد الخالق الطريس و المهدي بن بركة وعبد الصمد الكنفاوي وأقطاب من الحركة الوطنية الذين أثروا في مساره ووعيه الوطني.
ورغم أن الرواية مسكونة بهاجس التاريخ والسياسة إلا أنها تنفتح على الموروث الثقافي المغربي من قبيل نصوص مجموعة ناس الغيوان و أغنية خربوشة وأشعار إدريس الملياني وصلاح الوديع.
وفي معرض حديثه عن الرواية ، عبر حسن أوريد خلال هذا اللقاء، عن سعادته لتقديم هذا العمل الإبداعي بمتحف التراث الثقافي اليهودي المغربي الذي يحتضن جزء من الذاكرة الوطنية ، وذلك تكريما لذكرى المرحوم شمعون ليفي الذي كان يعرفه عن كثب.
وأشار في هذا اللقاء الثقافي، الذي نظمته مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي إلى تداخل الحياة الاجتماعية المغربية بين المسلمين واليهود، الذي لم يتأثر إلا بـ “سبب عوامل خارجية تمثلت في الصراع الذي كان موجودا في الشرق الأوسط ، وأدى إلى رحيل اليهود المغاربة لاعتبارات اديولوجية”.
وأبرز الكاتب أن هذا البعد اليهودي لا يجب أن يكون قصرا على معتنقي الديانة اليهودية المغاربة ،لأنه إرث لكل المغاربة.
ولدى توقفه عند عمله الروائي أوضح أن “سينترا” تتمحور حول فكرة الأندلس من خلال الشخصية المحورية (عمر بنمنصور) الذي كان متزوجا من يهودية مغربية، وكان يشتغل مع الإدارة الاستعمارية ويعتقد بأنه يستطيع من خلال مرجعيته أن يتجاوز الاختلافات الثقافية، لكن الظرفية العالمية في نهاية المطاف كسرت هذه التوافقات.
وأفاد أنه في تلك المرحلة كان مجموعة من المغاربة المسلمين متزوجين بيهوديات مغربيات، حافظ أغلبهن على عقيدتهن ومنهن من اعتنقت الإسلام، مضيفا أن البعد اليهودي لا ينبغي البحث عنه فقط لدى معتنقيه لأنه موجود ،كذلك، عند المسلمين بأشكال متعددة.
وأكد على أهمية “التذكر لبعث النموذج الأندلسي مستحضرا بهذا الخصوص بيتا شعريا للويس أراغون كان يردده دائما المرحوم حاييم الزعفراني ” ما كان يمكن أن ينبعث إن نحن تذكرناه” .
وفي هذا الصدد ذكر الكاتب بالمؤتمر الذي انعقد في يناير 2016 بمراكش حول “حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية” الذي تليت فيه رسالة ملكية أشارت فيه إلى النموذج الأندلسي، موضحة أن تاريخ المغرب عرف نموذجا حضاريا متميزا في تعايش المسلمين مع أهل الديانات الأخرى ولاسيما اليهود والنصارى.
كما توقف الكاتب عند الخطاب الملكي ل 20 غشت في الشق المتضمن لصورة الإسلام المعتدل، حيث كانت هناك إحالة إلى البعد الأندلسي، مؤكدا على أهمية استحضار هذا النموذج الذي صهر أبعاد متعددة للشخصية المغربية.
صدر للكاتب والباحث حسن أوريد الذي ولد سنة 1962 بالرشيدية مجموعة من المؤلفات منها ،على الخصوص، روايات (الحديث والشجن)، و (الموريسكي) و(صبوة في خريف العمر) و (الأجمة) و (سيرة حمار).
كما أصدر أوريد وهو أستاذ للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط أعمالا أخرى ذات طابع فكري منها كتابا (الإسلام والغرب والعولمة) ضمن السلسلة الشهرية منشورات الزمن، و (مرآة الغرب المنكسرة).
و م ع