حناجر تصدحُ بما جادت به حبالهم الصوتية، أصوات بُحَّت بضجيج علا الفناء المحاذي للمحكمة الابتدائية بالمحمدية، تنادي برفع الظلم و”الحُكْرة”، والشطط في استعمال السلطة، غير أن اللغة التي استعملت بهكذا أسلوب، كانت قروية بامتياز.
ثياب رثة بالية، ووجوه رسم الزمان على قسماتها تجاعيد صمَّاء، توحي إليك بانتصار الزمان عليها بالضربة القاضية على جميع المستويات، شُخُوصٌ قاربت في المعدل، الستون من العمر بالتمام والكمال، كانت تلك سمات الـثمانية عشر فردا، نساء ورجال تحلقوا وهم ينادون برفع الحيف الذي طالهم.
بينما جئت لأقضي بعض أغراضي بالمحكمة الابتدائية بالمحمدية، استفزني الموقف، وأحسست بذات “الحُكْرة” التي أسرتني تعاطفاً مع المحتجين، قلت لأول وهلة لعل في الأمر خطب ما، خاصة وأن مهنة المتاعب وضميري المهني يقتضي مني القيام بالواجب.
دخلت المحكمة، وأنا أُمنِّي النفس بالعثور على جواب شافي، لأسئلة حارقة، فقلت لم إصلاح منظومة العدالة إذن، لم الأبواب المفتوحة التي نظمت بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، التي كنت من الشاهدين على إجماع المسؤولين القضائيين كلهم على الإصلاح وليس شيئاً آخر غير الإصلاح، وقلت وقلت.. لكن ليس من رأى كمن سمع..
طالبت في إطار الضمير المهني، والحق الدستوري المتمثل في الحصول على المعلومة، بمعلومات ضَافِية تُشفي غليلي وتعاطفي المهني والفطري مع المتظلمين من “الحُكْرة”. لكني وجدت في المسؤولين القضائيين بذات المحكمة آذانا صاغية، وخير مجيب لاستفساراتي وتساءلاتي، بل تعامل معي القوم بمهنية كذلك، وبالدليل الملموس الذي قوامه، أن ليس كل ما يلمع ذهبا، وأن كل احتجاج ليس “حُكْرة” وظلما وبتمكيني من ملف النازلة.
وقائع النازلة
كما هي قضايا العالم القروي، التي لا تنتهي ولا تنقطع بخصوص الإرث والعقار والصراع على أتفه الأسباب..؛ توفي الهالك ” ع ـ ع ” رب الأسرة المتنازعة التي بين أيدينا، تاركا ورثة؛ أو لنقل أبناء إخوة، استخرجوا جميعهم إراثة بتاريخ25 أكتوبر 1984، عدد 4396.
مع مرور الوقت، تبين للورثة أن أسماء بعضهم غير مدرجة في رسم الإراثة الأول، فقاموا بإنجاز رسم إراثة جديد يضم أسماء جميع الورثة بتاريخ 26 مارس 1997 عدد: 202، وهو ما تمكنوا من إنجازه.
طالبوا من المحكمة الابتدائية بالمحمدية، في مقال افتتاحي، التشطيب على رسم الإراثة القديم (4396) والمصادقة على رسم الاراثة الجديد (202)، وتسجيله بسجلات قاضي التوثيق بذات المحكمة.
صدر حكم المحكمة الابتدائية بالمحمدية، برفض الطلب بناء على حيثيات، لخصتها الأخيرة في كون كل رسم إراثة يضمن في سجل خاص بذلك، ويعتبر حُجة رسمية، وأن رسم الإراثات تكون مكملة لبعضها البعض، واعتبارا لكون الطلب عير ذي موضوع.
ذات الحكم القضائي، سيواجه بإشكال التبليغ الذي يعتبر قاهر العدالة المغربية، ومُعيقها نحو المهنية والسرعة في البث والحكامة القضائية الجيدة، وإعطاء كل ذي حق حقه، فظل معه الملف، لم يتحرك قيد أنملة، رغم أن ذات المدعي بالمقال الافتتاحي، وفي نفس يوم الحكم، بتاريخ 11 نونبر 2013، طالب بإصلاح خطإ مادي بصلب الحكم يتعلق بالاسم العائلي للمدعى عليها (ا ـ ح ـ ب) الذي صدر اسمها بالحكم القضائي خطأ تحت اسم: ( إ ـ ك ).
بتاريخ 24 ابريل 2017، ستصدر ذات المحكمة حكمها في ذات النازلة، برفض طلب إصلاح اسم ( إ ـ ك )، مُعللة حكمها، بكون المقال الافتتاحي للمدعي، والمذكرة الجوابية للمدعى عليها، تضمن كلاهما اسم ( إ ـ ك )، وهو ما رجح عدم وقوع أي خطا مادي انتاب الحكم القضائي على مستوى الاسم.
اللِّي ضَرْبَاتُو إيدُّو مَا يَبْكِي
لم أجد من عنوان للنازلة، سوى أن ما يشفع لها غير القول المغربي المأثور: اللي ضَرْبَاتُو إيدُّو مَا يَبْكِي، خاصة وبعد اطلاع “البيضاوي” وطاقمها التحريري على ثنايا النازلة والوثائق، والحكمين القضائيين الصادرين في النازلة، لم أجد من حُكْرَة أو ظلم، سوى داخل مُخيِّلة الأطراف المحتجة نفسها، أو على الأقل بمن أوعز إليهم الخطأ في اسم المدعى عليها، أو بمن نسي أو تناسى كتابة الإسم الصحيح لزوجة الهالك الذي ليس سوى (ا ـ ح ـ ب).
أليس حريا على أطراف النزاع، تقديم مقال افتتاحي جديد، بالإسم الحقيقي للمدعى عليها، وفتح ملف جديد في ذات النازلة، لاكتساب حق طال انتظاره، ما منعهم إياه إلا سوء الفهم والتقدير، وإشكال التبليغ، مصداقا لقول المغاربة: “اللِّي تْغَوْتِيهْ جْرِيهْ واللِّي تْرَهْنِيهْ بِيعِيهْ”.
البيضاوي