كانت المحمدية في عهودها السالفة، وإلى عهد قريب، تُسمى بفْضالة، إلى أن اختار لها محمد الخامس طيب الله ثراه، اسمها الحالي إثر تدشينه لشركة تكرير النفط “سامير” سنة 1960.
رغم الأهمية التي كانت تحتلها تاريخيا على المستوى الوطني، حينما كانت صِلة وصل لا يستهان بها بين التجار الأوروبيين والمغرب، بين القرنين الـ 14 والـ 19، فإن بُزوغ القرن الـ 20 الذي هبت معه رياح الاستعمار الفرنسي؛ جعلت الأخير يختار الدار البيضاء لتحتل مكان الصدارة والتجارة، وكمركز تجاري يعوض فضالة إبان الاستعمار أو “المحمدية” بعد الاستقلال.
رغم ذلك، ها هي المحمدية البعيدة عن الدار البيضاء بـ 20 كلم، تظل ذات المدينة المُحتضِنة لتطور صناعي لافت للانتباه على الصعيد الوطني، كأول مدينة صناعية في المغرب، حيث يتواجد بها كبار الشركات الصناعية وطنيا وقاريا، لدرجة صُنفت من المدن الأعلى دخلا على الصعيد الوطني، وذات نسبة بطالة قليلة. مؤهلات مكنتها لتكون أولى المدن استقبالا للهجرة بشتى أشكالها: القروية والوطنية والقارية والدولية.
ذات الهجرة ستكون لمسة إضافية ستضيف إلى نسيجها المجتمعي طابعا خاصا؛ إذ على المستوى الديمغرافي، وبحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2014، فساكنة المحمدية تبلغ 404 آلاف و648 نسمة، مُقسمة على 402 ألفا و054 نسمة من المواطنين المغاربة، فيما بلغ عدد الأجانب بالمحمدية، ألفان و594 نسمة، يتوزعون على جنسيات مختلفة، ينحدرون من افريقيا جنوب الصحراء كأعلى نسبة، تليها أوروبا وآسيا وأمريكا.
أما على مستوى التنظيم الترابي، فتتكون عمالة المحمدية، التي تنتمي إلى جهة الدار البيضاء ـ سطات، من باشويتين وسبع مقاطعات حضرية وثلاثة قيادات؛ وجماعاتها الترابية هي المحمدية وعين حرودة وبني يخلف والشلالات وسيدي موسى بن علي وسيدي موسى بن المجذوب.
كل هذه الأرقام سواء على المستوى الديمغرافي، أو الترابي؛ من حيث تنوع أو تعدد الجماعات الترابية المنتمية إلى فضالة، وغناها الحضري والقروي، يجعل القضاء أمام ضغط هائل يوازي تنوع وكثرة الملفات المُحالة على المحكمة الابتدائية بالمحمدية على المستوى المدني والزجري.
بالعودة إلى الأبواب المفتوحة التي نظمتها محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، والتي للتذكير تدخل المحكمة الابتدائية بالمحمدية ضمن دائرة نفوذها، فإن أحد الأسس والمرتكزات التي بني عليها إصلاح منظومة العدالة، كان الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء؛ والذي بدوره يتأسس على تبسيط إجراءات التقاضي وسير الدعوى أمام المحاكم.
وبالإطلاع على بعض الوثائق التي وفرتها الدائرة القضائية لاستئنافية الدار البيضاء، والتي توصلت “البيضاوي” بنسخ منها، فإن وضعية المحكمة الابتدائية بالمحمدية، بالنظر إلى المحكوم من المُسجل، يُدخلها في خانة اللون الأخضر، وهي أفضل ميزة بركيزة النجاعة القضائية، حيث تجاوز نسبة المحكوم من المسجل برسم سنة 2016، على سبيل المثال 101.26 في المائة.
فبقراءة مهنية لجدول تتبع وإحصاء القضايا المدنية والجنحية الخاصة بالمحكمة الابتدائية بالمحمدية من سنة 2014 إلى دجنبر 2016، يتضح المجهودات التي تبذل على مستوى الاحكام الصادرة في حق المُخلَّف من القضايا؛ إذ يُلاحَظ تدني الرقم كل سنة، حيث كان المُخلَّف عن سنة 2013 ما مجموعه 4392 ملفا، لينزل الرقم إلى 3515 ملفا كمخلف عن سنة 2014، ثم ليصل إلى 2749 ملفا مخلفا عن سنة 2015.
فمن مجموع الملفات المسجلة سنة 2016، والتي بلغت 26353 ملفا، صدرت فيها أحكام بلغت 26684، أي بمعنى أن نسبة المحكوم من المسجل بلغت 101.26 في المائة، وهو رقم يعتبر في لغة النجاعة القضائية، شارة خضراء تعني أن المحكمة تساير إصلاح منظومة العدالة وما سُطر لهذا الغرض من آليات تدبيرية ينخرط فيها كل الفاعلين داخل المحكمة.
لكن ومن باب إحقاق الحق، وتناول الملف بمقاربة إعلامية مهنية، واستنادا كذلك إلى ذات الوثائق التي حصلت عليها “البيضاوي” خلال الأبواب المفتوحة، بالدائرة القضائية الاستئنافية بالدار البيضاء، تبين لنا أن مجموع عدد القضاة بالمحكمة الابتدائية لا يتعدى الثلاثون قاضيا (30).
فلو أجرينا مقارنة بين عدد الساكنة ونسماتها بعمالة المحمدية، وأجرينا قسمة لما يقرب عن 405 ألف نسمة على 30 قاضيا، سنجدها كارثة تزيد في معاناة القاضي قبل المتقاضي؛ صحيا ونفسيا واجتماعيا.. وفي المُحصلة 13500 نسمة لكل قاضٍ بالمحكمة الابتدائية بالمحمدية.
فقبل الحديث عن الإصلاح لابد من استحضار الموارد البشرية العاملة بكل قطاع، ذلك أن إصلاح منظومة العدالة وتحديدا السلطة القضائية؛ وما أدراك ما السلطة القضائية، لابد أن يستحضر في تصوره الشامل القول المغربي المأثور: “السَرْ فالسَّاكَنْ مَاشِي فَالمَسْكَنْ”، إذْ كيف نطالب بالنجاعة القضائية ومواردنا القضائية لا تتوفر على بيئة مناسبة تليق بمقام القاضي؛ نخبة النخب بكل حضارة ومجتمع، إذ كيف نطالب بـأكثر من 100 في المائة من نسبة المحكوم من المسجل، وسط فضاء رحب ومتنوع بقضاياه وسكانه ومشاكله وملفاته المدنية والزجرية الشائكة…
لكن وعلى مستوى المُحصلة المُواطنة أيضا، إن ازدهار أي منطقة من مناطق المغرب، لن يتأتى إلا بتوافر عاملين مهمين وأساسيين؛ هما القضاء والأمن، إذ بدونهما لا يمكن الحديث عن تنمية أو ثراء اقتصادي أو جلب للاستثمار أو رفاه اجتماعي أو قضاء على البطالة أو استقرار اجتماعي..
البيضاوي