اخــر الاخبــار

طائفة الباي فال بالسنغال.. لا يصلي أبتاعها ويفطرون رمضان ويجهزون موائد الرحمان للصائمين

مساحة اعلانية

كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء من يوم رمضائي قائظ، حين تحولت “ورشة” قابعة وسط الحي الجامعي التابع لجامعة الشيخ أنتا ديوب بالعاصمة السنغالية دكار، إلى خلية نحل يبذل فيها الشاب إسماعيلا وعدد من رفاقه جهدهم في تحضير “موائد الرحمان” للطلبة القاطنين في الحي وغيرهم، راجين التقرب إلى الله من خلال خدمة عياله في الأرض.

مساحة اعلانية

حركة دائبة وتفان في العمل يسود المكان المفتوح على الهواء الطلق؛ فتيات يحضرن وجبة فاصولياء، وفتيان يجهزون مشروب “البيساب” المحلي، وآخرون يحضرون كميات وافرة من قهوة “توبا” وأعدادا من السندويتشات، لتكون الحصيلة وجبات إفطار (اندوغو بلغة الولوف) تكفي لما يفوق 450 صائما يتزايد عددهم يوما عن يوم.

يبدو الأمر طبيعيا لأول وهلة؛ مجموعة شباب انتظموا في فريق في سعي لتطبيق حديث النبي الأكرم “من فطر صائما كان له مثل أجره”. لكن موضع الاستغراب يكمن في أن إسماعيلا ورفاقه ينتمون لطائفة تدعى “الباي فال” يعتقد أتباعها أنهم معفون من أداء الصلاة والصيام، وأن إطعام الفقراء والسعي في خدمتهم أفضل أجرا وأدعى للقبول.

وتنسب طائفة الباي فال إلى الشيخ إبراهيما فال (توفي سنة 1930)، الذي قضى حياته في خدمة الشيخ أحمدو بمبا، مؤسس الطريقة المريدية التي يعد أتباعها بالملايين في السنغال. ويقول بعض أتباع الطائفة إن الشيخ إبراهيما فال إنما أعفي من الصوم والصلاة لأنه “أصيب بحالة من الجذب الصوفي أقرب ما تكون إلى الجنون”.

ويقول إسماعيلا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن قصة خدمة الفقراء وتوفير الطعام لهم، بدأت عندما “أمر الشيخ أحمدو بمبا الشيخ إبراهيما فال بتحضير وجبات الطعام لطلبته”.

وعلى هذا الأساس، يضيف إسماعيلا، يذرع أتباع الباي فال الشوارع طيلة النهار لتحصيل المال (أو الهدية) من عند الناس، ليضيفوه إلى مساهماتهم الشخصية، بغرض تحضير وجبات (اندوغو) للفقراء والطلبة، ف”نحن هنا من أجل خدمة الناس، ولا نظفر بشيء من المال الذي نجمعه على الإطلاق”.

زميله في الطائفة، عليون، وهو طالب جامعي، يقول إن ما يقومون به هنا في دكار ليس سوى محاولة متواضعة، وإلا فإن أتباع الباي فال في مدينة توبا (150 كلم عن العاصمة دكار)، مهد الطريقة المريدية، يطبخون يوميا مئات الأكباش والفراخ لإطعام آلاف الصائمين.

ويضيف عليون “حتى ونحن نحضر وجبة الإفطار، لا يحق لنا أن نتذوقها، فشيخنا يعتبر الطعام الذي يتذوقه طاهيه مجرد بقايا.. ولا يجوز أن نمنح الناس ما فضل عنا”.

وحول ما يثار عن عدم امتثالهم لأمر الله تعالى للمسلمين بالصلاة والصوم، يقول عليون، “كثيرون يعتبرون أننا غير مسلمين.. لكننا كذلك. نحن نعتبر أن الصلاة والصوم لا يحولان دون دخول المرء إلى جهنم.. والقرآن نفسه تحدث عن مرائين ومنافقين قد يؤدون هاتين الشعيرتين لكنهما لن تنفعاهم يوم القيامة”

واعتبر عليون في هذا الصدد أن “الباي فال الحقيقي لا يملك حسابا بنكيا (كناية عن أنه لا يدخر ماله) في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من الأيتام في الشارع لا يجدون ما يسدون به رمقهم”، قبل أن يضيف أن “شيخنا إبراهيم فال توفي ولم يخلف أكثر من 450 فرنك إفريقي، لقد وهب كل ما يملك في خدمة الفقراء طلبا لرضى الله”.

وفي مساندة لما قاله عليون، يقول باتي، وهو مسؤول في دائرة الباي فال بالحي الجامعي لجامعة دكار، إن “الأدعى للقبول، والأثقل على نفس المرء، هو أن يكرس حياته وكل ماله لإطعام الفقراء، وبناء بيوت الله، هذه أعمال ملموسة يرى أثرها في الحين”.

وحول ما يتبقى لهم من دين الإسلام إن هم أسقطوا الصلاة والصوم من قائمة الواجبات، يقول عليون “نحن ملزمون بحفظ البصر واللسان واليد والرجل والفرج.. الباي فال لا نمشي بنميمة بين الناس، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، ويذكر الله ويتلو قصائد الشيوخ، وهو ما يمنحه القوة على عدم ارتكاب الزلل، كما أنه يقضي نهاره في جمع المال لتوفير الطعام للفقراء طيلة الشهر الكريم وفي غيره من دون أي مقابل.. كل هذه أمور جاء بها ديننا الحنيف”.

ويحرص عليون على التأكيد على صفة الانضباط التي تسود أتباع طائفة الباي فال. ويقول “الباي فال مثله مثل الجندي.. دائما مستعد لتلبية أوامر الشيخ التي تهدف إلى خدمة المسلمين.. فعندما يدعو الشيخ الأتباع إلى النزول إلى الحقول أيام الحصاد تجد الكل ينخرط في العمل.. العمل من أجل الله وليس من أجل حظ النفس”.

هذه القناعة “الغريبة”، التي تجد أساسها في تفسيرات باطنية للدين تميز بين مصطلحي الشريعة (باعتبارها الجانب العملي الممارساتي من الدين)، والحقيقة (باعتبارها روح هذه الشعائر ومغزاها)، تجد رفضا في صفوف مسلمي السنغال الذين يعتبرون أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التحلل من أداء فريضتي الصلاة والصوم بدعوى “امتياز” يحصل عليه شيخ هذه الطريقة أو تلك.

ويقول رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالسنغال، الشيخ أحمد إيان تيام، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء في هذا الصدد إن “الصوم فريضة واجبة على كل امرئ مسلم بالغ وعاقل. حتى المريض الذي قد يفطر بسبب مرضه مطالب بقضاء الأيام التي أفطر فيها عندما يصح”.

ويؤكد الشيخ إيان تيام أن الله لم يعف أحدا من المسلمين من أداء من فرائضه “ليس هناك عذر لأي كان من عباد الله.. ليس هناك عذر لا للرسل ولا للأنبياء ولا للأولياء ولا للملوك ولا للرؤساء يسقط عنهم أداء فريضة الصوم دون الأعذار الشرعية المعروفة كالمرض أو السفر”.

هذا التصريح الذي لا غبار عليه يتلقاه أتباع الباي فال بترحيب وتفهم. يقول عليون “نحن نمارس طقوسنا دون أن نثيرها في كل مرة. لا نفطر أمام الناس (حتى وإن كان بعضنا لا يفطر)، ولا ندعوهم للإفطار، بل إننا نتجنب الخوض في الموضوع ما أمكن مع العامة، هكذا نقضي هذه الحياة الدنيا إلى أن نلقى الله”.

و م ع

شارك المقال شارك غرد إرسال
مساحة اعلانية
مساحة اعلانية