مساحة اعلانية
اخــر الاخبــار

حينما تحول حراك”سعيد شَعُّو” من الطنطنة إلى المطالبة باستقلال الريف

لم يكن أحد ينتظر أنه وبمجرد ما أرخت ما سمي آنذاك بقصة بائع السمك محسن فكري سُدولها، حتى بدأت خيوط مسرحية تحاك وتدبر بليل، بشخوص امتطت دستور المملكة وما تضمنه من حقوق، ومسار ديمقراطية فتية بدأت معالمها تتشكل، لتعلن عن نفسها قادة لحراك الطنطنة.

بدأت القصة؛ كما قصص المغرب الغريبة، في بلد من يأكل الغلة ويسب الملة، بلد جاد بهواه وترابه ومائه.. لكل أبنائه، بلد استرخص فيه الأجداد دماءهم وأرواحهم في سبيل استقلاله ونمائه.. ليتحول بقدرة قادر إلى بقرة حلوب لبعض لوبيات الفساد…، وفي الزاوية المقابلة، بقرة حلوب لبعض المطالبين بإنشاء الجمهوريات الوهمية؛ بالأقاليم الجنوبية المغربية، وبالريف.

بدأت القصة باحتجاج على الحُكرة والظلم، فاتخذت أولى فصول المسرحية لها عنوانا قوامه: “طْحَنْ مُّو”، كناية على ما تعرض له محسن فكري من طحن داخل شاحنة الأزبال، تعاطف جميع المغاربة؛ كبيرهم وصغيرهم مع محسن رحمه الله، ومع أسرته، بل تعاطف الجميع مع أهلنا في الريف وحقهم في التنمية وفي الكرامة؛ وإن كانت الأغلبية الساحقة من مناطق المغرب لم تنعم بها نفسها.

يوما بعد يوم، بدأت القصة تأخذ منحى مغايرا، وبدأت النار في الهشيم تغير مسارها نحو كل الاتجاهات، وبشتى المجالات، بدأ التنظيم ورص الصفوف، فبدأ مع التنظيم قادة يظهرون على المنصات لإلقاء الخطب العاطفية المُجلجلة؛ وخلفها أعلام ترفرف توحي بأن الاحتجاجات لا علاقة لها بالمغرب والمغاربة وبالمملكة.

يوما بعد يوم، بدأت خيوط القصة تتكشف، فبدأ معها صبر السبعة أشهر ينفذ، حيث لم ينفذ صبر من له حاجة في نفسه يريد قضاءها؛ فامتطى الزفزافي صهوة حراك الطنطنة، حيث لم يكن له سابق علم أو دراية بفن قيادة الجياد، فأزبد وأرغد على خطيب الجمعة ورفض سماع الخطبة التي أرادها أن تفصل على مقاسه وهواه، لكن هيهات هيهات، ليسقط بنفسه في الخطيئة ويدفع تعاطف العقلاء.

اعتقل الزفزافي، فبدأ صبر محركي حراك الطنطنة سرا وعلنا ينفذ، ومعه بدأ صبر المتتبعين والسامعين لسمفونية الطنطنة ينفذ كذلك، فاختار بعضهم نعت أهل الداخل بـ “العياشة”، واختار بعضهم اللثام والحجارة شكلا من أشكال الحوار مع المغرب والمغاربة والحكومة ورجال الأمن والسلطات العمومية..، فاختار المغاربة الوحدة ورص الصفوف مع الوطن ورفض اللعب بالنار.

وبين ثنايا التحقيق، بدأت خيوط حراك الطنطنة تتكشف، وبدأت معها مصادر تمويل الاحتجاجات، ينقشع عنها غبار التمويه والغدر والخيانة.. فظهر من الأسماء تعيس عفوا سعيد شعو؛ البرلماني السابق عن حزب العهد 2007؛ صاحب مذكرات البحث الدولية في الاتجار في المخدات، الذي لم يكن أحد يعتقد أنه بهكذا تخطيط استراتيجي، أو بهكذا طموح ينوي به رئاسة جمهورية الريف داخل أحلامه.

انبرت عبقرية شعو، الذي غادر البلاد سرا، سنة 2010، إلى هولاندا، التي راكم بها ثروات هائلة في الاتجار الدولي في المخدرات، بعدما ذكر اسمه في التحقيق مع الزعيمي وصدور مذكرة بحث وطنية في حقه، إلى النضال بالخارج ضد الدولة التي ضيقت عليه الخناق في بيع الحشيش.

فرَّ سعيد شعو إلى بلد هجرته الأولى في ثمانينيات القرن الماضي هولاندا، عَلَّهُ يؤمنه ويؤمن تجارته، أو في أقصى الحالات يؤمن تأسيسه للخلايا الأولى لحركة 18 شتنبر لاستقلال الريف، أو إن صح التعبير تأسيس جمهورية القنب الهندي، كي يحل له ولمريديه الاتجار واستعمال الحشيش بلا رقيب ولا حسيب.

صدرت مذكرة دولية بتاريخ 19 ماي 2015 صادرة عن قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في حق شعو تتهمه فيها بتكوين عصابة إجرامية والارتشاء والاتجار الدولي في المخدرات، فأحس أن أجله قد اقترب فزاد من نشاطه الرئاسي داخل أحلامه، عبر تمويل حراك الطنطنة.

ورغم ذلك ظل رئيس الجمهورية المزعومة “شعو” طليقا يتاجر.. ويناور.. ويمول حراك الطنطنة بلا حسيب ولا رقيب، فخال نفسه فوق القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الثنائية بين المغرب وهولاندا، والجماعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي؛ حيث كان المغرب دركي أوروبا، نعم البلد المتعاون على مستوى محاربة تجارة المخدرات والإرهاب والهجرة السرية والعصابات المنظمة..

مع تحقيقات حراك الطنطنة، بدأت فصول التمويل تبدو لكل ذي عقل سليم، وبدا جليا ضلوع “سعيد شعو”، في تمويل الحراك أو على الأقل بعض السفهاء من مريديه، ليسهل عليه تمرير خطاب الكراهية ووضع لبنات ما صدر في مذكرته التي بعثها لأنطونيو غوتريس الأمين العام للأمم المتحدة، بخصوص حركة 18 شتنبر أو استقلال الريف المزعوم من الاستعمار المغربي؛ فيا له من كذَّاب أشِرْ.

طالب المغرب على أبعد مستوى من هولندا مرارا، تسليم “شعو”، غير أن الأخيرة، تلكأت في الأول، فأستدعى المغرب سفيره للتشاور، فاستدعت هولندا سفيرها، فدخل البلدان في منعطف القطيعة والمعاملة بالمثل؛ لكن ما أن لجأ قوم الأراضي المنخفضة إلى الحكمة والتعقل للاستشارة، حتى اهتدوا إلى رشدهم، فألقوا القبض على المدعو “شعو”، ليس من أجل سواد عيون المغاربة، وإنما لدور المملكة الاستراتيجي في منع العديد من الكوارث أن تقع في الدول الأوروبية، وفي مقدمتها الإرهاب وتجارة المخدرات التي يأتي حراك الطنطنة ليجسد بالملموس التضييق الذي تشهده العصابات بالداخل والخارج.

أولا وأخيرا، ليس لأي كان، دستوريا أن يمنع من الاحتجاج السلمي والحضاري القائل “أنا جائع”، أو ” أنا احتاج إلى التنمية” أو ” أنا بلا عمل” أو “أنا مظلوم”…؛ الذي ما أكثره، وحيث الفساد فما أقساه وما أظلمه، لكن ليس لأي كان مهما علا شأنه، أن يمس شعرة من إجماع المغاربة، أو شعيرة من حب المغاربة لمقدساتهم وتعايشهم؛ إذ لا فرق لعربي على أمازيغي، ولا لمسلم على يهودي أو مسيحي، ولا لريفي على صحراوي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتفاني في حب هذا الوطن من طنجة إلى لكويرة.

طيب محمد

 

شارك المقال شارك غرد إرسال